اضطراب قلق الانفصال عند الصغار والكبار: أسبابه، وأعراضه، وطرق علاجه
يعد اضطراب قلق الانفصال واحداً من الاضطرابات النفسية التي تؤثر بشكل ملحوظ على الأفراد في مراحل عمرية مختلفة، سواء عند الأطفال أو البالغين. يعتبر هذا الاضطراب أحد أشكال القلق الذي يتسبب في شعور الفرد بالخوف الشديد والقلق عندما يكون بعيدًا عن الأشخاص الذين يرتبط بهم ارتباطًا عاطفيًا، كالأم أو الأب أو الشريك. يتمثل القلق في أن الشخص المصاب قد يتعرض لضرر جسدي أو نفسي نتيجة لهذا الانفصال، وهو ما يؤدي إلى حالة من التوتر والاضطراب النفسي.
تعريف اضطراب قلق الانفصال
اضطراب قلق الانفصال هو اضطراب نفسي يتسم بالخوف والقلق المفرط من الانفصال عن شخص عزيز، مثل الوالدين أو الشريك، وهو غالبًا ما يظهر في مرحلة الطفولة. ومع ذلك، فإن هذا الاضطراب لا يقتصر على الأطفال فقط، بل قد يظهر أيضًا عند البالغين، وتختلف الأعراض وحدتها من شخص لآخر.
أسبابه
تتعدد الأسباب التي قد تؤدي إلى اضطراب قلق الانفصال، وتنقسم إلى أسباب بيولوجية، نفسية، وبيئية، وتكمن بعض هذه الأسباب في التفاعلات المعقدة بين هذه العوامل.
-
الأسباب البيولوجية: قد يكون لبعض الأشخاص استعداد وراثي للإصابة بالاضطرابات النفسية بشكل عام. الأشخاص الذين لديهم تاريخ عائلي من القلق أو الاكتئاب قد يكونون أكثر عرضة للإصابة باضطراب قلق الانفصال. تشير الدراسات إلى أن الاختلالات الكيميائية في الدماغ، مثل انخفاض مستوى السيروتونين أو غيره من الناقلات العصبية، قد تسهم في زيادة القلق والتوتر.
-
الأسباب النفسية: إن تجارب الطفولة الصعبة أو الحوادث المؤلمة التي قد يمر بها الطفل، مثل فقدان أحد الوالدين أو التعرض لصدمات نفسية، يمكن أن تؤدي إلى تطوير القلق المفرط من الانفصال. الأطفال الذين يمرون بتجارب انفصال مبكر عن الوالدين، مثل الطلاق أو فقدان أحد الوالدين، قد يعانون من اضطراب قلق الانفصال في مراحل لاحقة.
-
الأسباب البيئية: البيئة المحيطة قد تلعب دورًا كبيرًا في ظهور هذا الاضطراب. على سبيل المثال، إذا كان الطفل أو البالغ يعيش في بيئة تكون فيها الأم أو الشخص المقدم للرعاية مفرطًا في الاهتمام والحماية، فقد يساهم ذلك في تعزيز شعور الاعتماد الزائد على هؤلاء الأفراد. في حالات أخرى، قد تؤدي قلة الاستقرار الأسري أو التنقل المستمر إلى خلق مشاعر من القلق تجاه الانفصال.
-
الافتقار إلى الاستقلالية: الأطفال الذين لا يتم تشجيعهم على بناء الاستقلالية في مرحلة الطفولة قد يكونون أكثر عرضة للإصابة باضطراب قلق الانفصال في مراحل لاحقة. هذا يرتبط بعدم تعلمهم كيفية التعامل مع المواقف التي تتطلب القبول بفكرة الانفصال والابتعاد عن الأشخاص المقربين.
أعراض اضطراب قلق الانفصال
تتفاوت أعراض اضطراب قلق الانفصال بين الصغار والكبار، لكن هناك بعض الأعراض المشتركة التي يمكن أن تكون مؤشرًا لهذا الاضطراب. تظهر هذه الأعراض عندما يكون الشخص بعيدًا عن شخص عزيز عليه، سواء كان هذا الشخص هو الوالد، الشريك، أو أي شخص آخر يشعر الفرد معه بالارتباط العاطفي.
عند الأطفال:
-
البكاء المستمر والتشبث بالأم أو الوالد: الأطفال الذين يعانون من اضطراب قلق الانفصال غالبًا ما يبدون غير قادرين على التفاعل مع أي شخص بعيد عن الوالدين.
-
الكوابيس المتكررة: يشير الخوف المستمر من الانفصال إلى وجود كوابيس يتخيل فيها الطفل تعرضه لفقدان أو انفصال عن الشخص الذي يشعر معه بالأمان.
-
التردد في الذهاب إلى المدرسة أو أماكن أخرى بعيدة عن المنزل: يعاني الأطفال المصابون باضطراب قلق الانفصال من صعوبة بالغة في ترك المنزل، ويبدؤون في مقاومة الذهاب إلى المدرسة أو المشاركة في الأنشطة الاجتماعية.
-
شكاوى جسمانية: قد يتطور القلق إلى أعراض جسدية مثل الصداع، آلام المعدة، أو الغثيان عند فكرة الانفصال.
-
التعلق المفرط بالأب أو الأم: قد يظهر الأطفال الذين يعانون من هذا الاضطراب سلوكيات من التعلق الزائد بالوالدين، مثل التمسك بالملابس أو البقاء قريبين منهم بشكل دائم.
عند الكبار:
-
القلق المستمر من الانفصال: يظهر البالغون الذين يعانون من هذا الاضطراب شعورًا مفرطًا بالقلق إذا كانوا بعيدين عن شخص قريب منهم عاطفيًا، مثل الشريك أو أحد أفراد العائلة.
-
الخوف من فقدان العلاقة: يعاني البالغون من حالة دائمة من الخوف من فقدان الشخص الذي يعتبرونه محورًا للارتباط العاطفي.
-
الانشغال المستمر بفكرة الانفصال: يتسارع التفكير حول هذا الموضوع إلى درجة أنه يؤثر على قدرة الشخص على أداء المهام اليومية.
-
المشاعر السلبية تجاه الانفصال: مشاعر من الوحدة، الحزن العميق، أو حتى الغضب قد تظهر عند الانفصال عن الشخص المقرب.
-
الحاجة المستمرة للتطمين: يطلب المصابون بهذا الاضطراب من الشريك أو العائلة تأكيدًا مستمرًا على أنهم لن يتركوا أو يفارقوا الشخص بشكل دائم.
طرق علاج اضطراب قلق الانفصال
هناك العديد من الطرق العلاجية المتاحة لعلاج اضطراب قلق الانفصال، والتي تختلف حسب عمر الشخص المصاب وشدة الأعراض. تعد العلاجات النفسية والدوائية من أهم الطرق التي يمكن استخدامها في التعامل مع هذا الاضطراب.
1. العلاج السلوكي المعرفي (CBT)
يعد العلاج السلوكي المعرفي من أكثر العلاجات فعالية في معالجة اضطرابات القلق بشكل عام، بما في ذلك اضطراب قلق الانفصال. يركز هذا النوع من العلاج على تغيير أنماط التفكير السلبية التي تؤدي إلى القلق، وتعليم الشخص استراتيجيات للتعامل مع مشاعر الخوف والقلق. يساعد المعالج النفسي الشخص المصاب على تقبل فكرة الانفصال تدريجيًا من خلال التعرض المنظم للمواقف التي تؤدي إلى القلق، مما يمكنه من تقليل استجابة الخوف المرتبطة بالانفصال.
2. العلاج بالتحليل النفسي
يركز هذا النوع من العلاج على استكشاف الأسباب العميقة لقلق الانفصال، مثل التجارب الصادمة في مرحلة الطفولة أو الأنماط العاطفية التي يمكن أن تكون قد نشأت نتيجة لظروف معينة. يهدف العلاج بالتحليل النفسي إلى مساعدة الفرد على فهم وتفسير الأسباب الكامنة وراء قلقه، وبالتالي تعزيز قدرته على التعامل مع الانفصال بشكل صحي.
3. العلاج الدوائي
في بعض الحالات التي تكون فيها الأعراض شديدة أو تؤثر بشكل كبير على الحياة اليومية للشخص، قد تكون الأدوية مضادة للقلق مثل مثبطات امتصاص السيروتونين (SSRIs) أو مضادات القلق مثل البنزوديازيبينات مفيدة في تخفيف الأعراض. يجب أن يتم استخدام الأدوية تحت إشراف طبي دقيق نظرًا لوجود آثار جانبية محتملة وضرورة مراقبة تأثير العلاج.
4. دعم الأسرة والمجتمع
تلعب الأسرة دورًا حيويًا في مساعدة الشخص المصاب باضطراب قلق الانفصال، خاصة عندما يكون المصاب طفلًا. من خلال توفير بيئة داعمة وآمنة، يمكن للأسرة تقليل مشاعر الخوف لدى الشخص. يمكن أن يساهم المجتمع أيضًا في تخفيف حدة القلق من خلال إشراك الشخص في الأنشطة الاجتماعية والأنشطة التي تعزز من استقلاليته.
5. تقنيات الاسترخاء
تقنيات الاسترخاء مثل التأمل، التنفس العميق، واليوغا تعد من الأساليب التي يمكن أن تساعد في تخفيف الأعراض المرتبطة بالقلق. تعلم الشخص المصاب كيفية التحكم في استجاباته الجسدية والنفسية للقلق يمكن أن يكون له تأثير إيجابي على مستوى التوتر.
الخاتمة
اضطراب قلق الانفصال هو حالة نفسية معقدة تتطلب علاجًا متكاملًا يشمل الدعم النفسي والعلاج السلوكي المعرفي وأحيانًا الأدوية. مع العلاج المناسب والدعم من الأهل والأصدقاء، يمكن للأفراد الذين يعانون من هذا الاضطراب أن يتعلموا كيفية إدارة مشاعرهم والتغلب على مخاوفهم، مما يساعدهم على بناء حياة أكثر توازنًا وصحة نفسية.
